أدوات الوصول

Skip to main content

المدونة

ابق على اطلاع بأخبارنا الجديدة

الحقوق الرقمية في عالم الخوارزميات الصامتة

2088a40468f457929298b5191dad53c46f78d4fcb15f124a41958dc8a6e2f8d7?s=96&d=mm&r=g
Aya Albibas | 11/12/2025 |
image?src=%7B%22file%22%3A%22wp content%2Fuploads%2Fsites%2F2%2F2025%2F12%2FDigital Rights ar scaled

لم يعد عالمنا منقسمًا إلى “واقع” و“إنترنت”. حياتنا أصبحت شبكة مترابطة من الأجهزة والخوارزميات التي تعمل في الخلفية طوال الوقت، حتى قبل أن نفتح هواتفنا. ففي كل صباح، تضيء الشاشة بإشعارات تبدو وكأنها تعرف ما أفكر فيه. لم أكتب شيئًا ولم أبحث عن شيء، ومع ذلك تظهر أمامي منتجات وخدمات تطابق ما دار في ذهني ليلة البارحة.

وفي الطريق إلى العمل، وبين انقطاع الشبكة وعودتها، يطلب تطبيق الخرائط الإذن بتتبع موقعي “دائمًا” بحجة تحسين الحركة. أصبحت ضغطة “السماح بالوصول” عادة تلقائية.

وحين أصل، أجد بريدًا تسويقيًا من شركة لم أزوّدها بعنواني البريدي. ثم يظهر إعلان لمنتج كان زميلي يتصفّحه بالأمس. لحظة جعلتني أدرك مدى قدرة الأنظمة على الربط بين الأجهزة وتتبع المستخدمين عبر الشبكات دون أن نلاحظ.

هذه التفاصيل اليومية ليست أحداثًا عابرة… بل إشارات إلى منظومة كاملة تعمل خلف الشاشة. وهنا يظهر السؤال الحقيقي:

كيف تُجمع بياناتنا؟ ومن يملك حق استخدامها؟ وكيف تُشكّل الخوارزميات تجربتنا دون مشاركة صريحة منا؟

ومن هنا يأتي 10 ديسمبر، اليوم العالمي للحقوق الرقمية، بناءًا على قرار الأمم المتحدة Right to Privacy in the Digital Age الذي جعل الخصوصية، والهوية، ومن يملك القرار عنك رقميًا، حقوقًا أساسية يجب حمايتها.

فالحقوق الرقمية امتداد لحقوقك الإنسانية… ولكن داخل عالم يعمل بلغة البيانات.

ما الذي تعنيه الحقوق الرقمية… وكيف تظهر في تفاصيل يومك؟

كلما ظهر لك إعلان لمنتج لم تبحث عنه، أو ضغطت “السماح بالوصول” دون تفكير، أو وصلتك رسالة من شركة لم تتعامل معها من قبل، فاعلم أنك تقف في نقطة فاصلة بين ما تمنحه للتقنية… وما تأخذه منك.

الحقوق الرقمية تشبه إشارات مرور داخل مدينة خفية، تضمن لك:

  • حق معرفة من يجمع بياناتك ولماذا.
  • حق حماية معلوماتك من المشاركة دون إذنك.
  • حق الأمان من الاختراق أو الانتحال.
  • حق الوصول العادل للمعلومات دون تحيّز أو تمييز.
  • وحق الموافقة الواعية قبل استخدام بياناتك في أي غرض.

هذه الحقوق ليست رفاهية. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي تغيّر المشهد؛ فالخوارزميات لم تعد تجمع البيانات فقط، بل تتعلّم منها وتؤثر على عملك وخدماتك وما تراه يوميًا. لذلك تظل الحقوق الرقمية مهمة… لكنها لم تعد كافية وحدها، لأن ما يجري خلف الشاشة أصبح جزءًا من حياتك.

الخوارزميات والذكاء الاصطناعي… بين الحدود والنفوذ.

حين نتحرّك في العالم الرقمي دون مراجعة الأذونات أو معرفة أين تذهب بياناتنا، تحاول الخوارزميات بناء نسخة دقيقة منّا لفهم سلوكنا. ومع الوقت، تصبح هذه النسخة أساس قرارات لا نراها: إعلان يُوجَّه لنا، خدمة تظهر لغيرنا، أو تقييم آلي يغيّر فرصنا دون علمنا.

تأثير هذه الأنظمة قد يبدو خفيًا، لكنه حاضر في كل شيء: ما نشتريه، وما نقرأه، وما يُعرض علينا. وعندما تُهمل الحقوق الرقمية، يصبح صوت الخوارزمية أعلى من صوت الإنسان. يظهر ذلك في تفاصيل صغيرة:

  • خوارزمية توظيف تلمّح لمدير شركة بأنك “أقل ملاءمة”… ليس لأنك لست كفؤًا، بل لأن بيانات تدريبها انحازت لفئة تشبه تاريخها السابق، هذا هو التحيّز الخوارزمي.
  • ونظام آخر يبتّ في طلب قرضك قبل أن تلمس أوراقك يد موظف حقيقي، هذا هو اتخاذ القرار الآلي.
  • وعلى هاتفك، آلة تراقب سلوكك لتتنبأ بما قد تشتريه أو تشاهده، فتمتلئ شاشتك بخيارات صُمّمت لتوجيه ذوقك قبل أن تختار أنت، هذا هو التصنيف والتنبؤ السلوكي.
  • وأحيانًا، تُفتح أبواب لغيرك وتُغلَق أمامك ولا تظهر لك أصلًا، فقط لأن خوارزمية ما قرّرت أنك “لست الفئة المناسبة”، هذا هو التأثير على الفرص والخدمات.

ومع توسّع الذكاء الاصطناعي، أصبح واضحًا أن هذه النماذج لا تفهم… بل تتنبأ، وأنها ليست محايدة؛ فهي تعكس من صمّمها ومن درّبها. ومن هذا القلق ظهرت أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لتضع قواعد واضحة تشمل:

  • العدالة وعدم التمييز: منع النماذج المنحازة من التأثير على القبول الوظيفي أو القروض أو الخدمات.
  • الشفافية: فهم كيفية اتخاذ القرارات المؤثرة في التعليم، الصحة، أو توجيه المعلومات.
  • المساءلة: تحديد الجهة المسؤولة عند الخطأ، الشركة، المطوّر، أم المشغّل؟
  • الخصوصية: حماية البيانات من التحوّل إلى أداة مراقبة أو تصنيف دون علم المستخدم.
  • السلامة والأمان: الحد من إساءة الاستخدام، وخاصة في الأنظمة التنبؤية أو تقنيات التعرف على الوجوه.

بدأت دول ومؤسسات العالم في رسم حدود واضحة: ما الذي نسمح للخوارزميات بفعله… وما الخط الأحمر الذي لا يجب أن تتجاوزه التقنية.

بين الابتكار والحماية: كيف ينظّم العالم الخوارزميات ويضمن الحقوق الرقمية

لم يعد استخدام الإنترنت مجرد دخول وخروج؛ فكل نقرة وتمرير تتحول إلى بيانات تعالجها خوارزميات تؤثر في ما نراه وما يُعرض علينا من فرص. ومع توسّع هذا النفوذ الخفي، برز سؤال عالمي واضح: 

من يضع حدود هذه القوة الرقمية

ففي أوروبا، شكّل صدوراللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) عام 2018 نقطة تحول، إذ أعادت تعريف علاقة الفرد ببياناته، وفرضت غرامات كبيرة على شركات مثل Meta بسبب التتبع دون موافقة صريحة. تلا ذلك قانون الذكاء الاصطناعي (AI Act)، أول إطار شامل ينظّم الذكاء الاصطناعي، مصنفًا بعض الأنظمة (ومنها تقنيات التعرّف على الوجوه) ضمن الفئات عالية المخاطر، ليُلزمها بقدر أكبر من الشفافية والرقابة. 

في جنيف، يناقش مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حق الخصوصية في العصر الرقمي. وتعمل منظمات مثل EFF و Digital Rights Watch، فتراقب الانتهاكات وتُذكّر بأن التكنولوجيا ليست دائمًا صديقة الإنسان. كما يقدممعيار ISO/IEC 27701 إطارًا عالميًا لإدارة الخصوصية داخل المؤسسات بشكل مهني ومنظّم.

إقليميًا، تعمل الإسكوا على دعم الدول العربية في تحديث سياسات حماية البيانات، فيما تواصل عدة دول إعادة صياغة تشريعاتها الرقمية لمواكبة التطوّر المتسارع.

ما دورك أنت؟

التشريعات ترسم الحدود… لكن مَن يحمي مساحتك الرقمية فعليًا هو أنت. فكل إذن توافق عليه، وكل تطبيق تثبّته، وكل خدمة تستخدمها—تضيف سطرًا جديدًا إلى قصتك الرقمية. 

جرّب أن تتعامل مع بياناتك كأنها ممتلكات شخصية ثمينة:

  • اسأل نفسك قبل الموافقة: لماذا يريد هذا التطبيق موقعي أو صوري أو جهات اتصالي؟
  • راجع الأذونات دوريًا: ما يحتاجه التطبيق فقط… اتركه، وما لا يحتاجه… احذفه.
  • احمِ حساباتك: فعّل التحقق بخطوتين—يفضّل عبر تطبيقات مخصّصة وليس الرسائل.
  • افهم شروط الخدمة بالمختصر: حتى قراءة دقيقة واحدة قد تغيّر قرارك.
  • اختر خدمات تحترم الخصوصية: الشفافية ليست ميزة… إنها حق.
  • غيّر الإعدادات الافتراضية: لأنها غالبًا مصممة لصالح المنصة، لا لصالحك.

وحين تعرف ماذا يجري خلف الشاشة، وتفهم كيف تُبنى قراراتك الرقمية… لن تكون مجرد مستخدم يتلقى. ستصبح المستخدم الذي يقرر، ويختار، ويحدد حدوده بنفسه.

مراجع موثوقة لمن يرغب في التوسّع

شارك:

FacebookTwitterLinkedInWhatsAppTelegramViberCopy Link
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قراءة المزيد من المقالات